على مدار عقود مضت كانت مصر وستظل الدرع الواقي في مواجهة مخططات تهجير الفلسطينيين، ولم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول “تصفية القضية الفلسطينية” بتهجير الفلسطينيين قسرا مجرد موقف سياسي فردي عابر، بل جاءت امتدادًا لمخططات قديمة بدأت منذ نكسة عام 1967، حينما حاولت إسرائيل فرض واقع جديد في الأراضي المحتلة، يستهدف تهجير الفلسطينيين قسرًا من وطنهم، وهو ما تقف مصر في مواجهته رغم تغير الحكومات والرؤساء والأنظمة.
وظلت مصر على مدار العقود الماضية، سد منيع في طليعة الدول الرافضة لهذه المحاولات، مؤكدة أن فلسطين للفلسطينيين، رافضة أي مشاريع تهدف إلى نقلهم قسرًا إلى سيناء أو أي دولة عربية أو أجنبية أخرى، وفي هذا التقرير، نستعرض أبرز المخططات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين، وكيف تصدت لها مصر عبر العقود الماضية.
مخططات تهجير الفلسطينيين منذ نكسة 1967
مشروع ييجال آلون (1967)
عقب احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في حرب 1967، قدم ييجال آلون، وزير العمل الإسرائيلي آنذاك، خطة تهدف إلى توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالتوازي مع فرض ظروف معيشية واقتصادية صعبة على الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة الطوعية، وكشفت وثائق إسرائيلية لاحقًا عن محاولات لطرد اللاجئين الفلسطينيين من غزة إلى العريش، لكن مصر وقفت سدًا منيعًا أمام هذه المشاريع.
تداعيات حرب 1973 وتغيير المعادلة
بعد انتصار مصر وقهر العدو الصهيوني في حرب أكتوبر 1973، عادت القاهرة لتؤكد رفضها لأي حلول تكون على حساب الأراضي الفلسطينية، وبعد استعادة سيناء بموجب اتفاقية السلام عام 1979، شددت مصر على أن سيناء أرض مصرية غير قابلة للتفاوض، ولن تكون بديلًا عن فلسطين، وأن القضية الفسطينية باقية ولن يتناول أهلها عن حقهم.
الموقف المصري الرسمي ثابت لا يتغير عبر الزمن
عبر العقود، ظل الموقف المصري ثابتًا في رفض تهجير الفلسطينيين، كما عبّر عنه القادة المصريون من أيام جمال عبدالناصر:
في هذا الصدد، قال جمال عبد الناصر (1968): “لا يمكن أن نقبل بتهجير الفلسطينيين إلى أي أرض أخرى. فلسطين للفلسطينيين، وتهجيرهم يعني إنهاء قضيتهم.”
وأكد أنور السادات (السبعينيات والثمانينيات) على أن فلسطين للفلسطينيين: “أرضنا ليست محل مساومة أو جدل، ولن نقبل بأي حل يكون على حساب الفلسطينيين.”
وشدد الرئيس الأسبق حسني مبارك في تصريحات شهيرة رفضه القاطع لمخططات توطين الفلسطينيين في سيناء، عندما قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “أنسى الموضوع ده.. أنت كده عاوز تبدأ الحرب بينا وبينك تاني.”
وكان آخرهم الرئيس عبد الفتاح السيسي عام (2014)، حيث قال: “نرفض تمامًا أي محاولات لإعادة رسم خريطة المنطقة على حساب القضية الفلسطينية فيما عرف بصفقة القرن، وعاجد ليؤكد ذلك بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2025.

لماذا ترفض مصر مخططات تهجير الفلسطينيين؟
هناك عدة أسباب استراتيجية وسياسية تدفع القاهرة إلى هذا الرفض الحاسم:
أكبر الأسباب هو حماية القضية الفلسطينية، لأن أي تهجير للفلسطينيين يعني تفريغ أرضهم من سكانها، والذي تسعى إليه إسرائيل من أجل ضمان ضم الأراضي المحتلة دون مقاومة، ولهذا تتمسك مصر بحل الدولتين وفق قرارات الأمم المتحدة.
ويعد الحفاظ على الأمن القومي المصري أحد أهم الأسباب، فتوطين الفلسطينيين في سيناء قد يفتح الباب لاضطرابات أمنية وصراعات طويلة المدى، ما يهدد استقرار المنطقة، وسلب الفلسطينيين حقوقهم التاريخية.
وقد رفضت عبر التاريخ أي حلول على حساب مصر، مهما حاولت بعض القوى الدولية إقناع مصر بقبول تهجير الفلسطينيين، ترفض دائمًا أي مخطط لا يضمن حق الفلسطينيين في العودة.
“صفقة القرن” والمشاريع الحديثة
كانت صفقة القرن عام 2019، أحد المحاولات الإسرائيلية التي تضمنت توطين الفلسطينيين في شمال سيناء، ورغم المغريات التي قدمها الجانب الإسرائيلي وحلفاؤه إلا أن القاهرة أكدت أن هذا المقترح غير قابل للنقاش سياسيًا أو أمنيًا، مشددة على أن أي حلول يجب أن تستند إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
لم يكن الموقف المصري ضد مخططات تهجير الفلسطينيين مقتصرًا على التصريحات الرسمية، بل امتد إلى الشارع المصري والمجتمع المدني، حيث شهدت البلاد مظاهرات شعبية دعمت القضية الفلسطينية ورفضت أي محاولات للتهجير، كما لعب الإعلام المصري دورًا محوريًا في تعزيز الرواية الفلسطينية والتصدي للمزاعم الإسرائيلية.

القاهرة درع ضد مخططات تهجير الفلسطينيين
لذلك تعد مصر الدرع الواقي ضد مخططات تهجير الفلسطينيين منذ عام 1967 وحتى اليوم، لم تتغير السياسة المصرية الرافضة لتهجير الفلسطينيين، مؤكدين أن “لا وطن للفلسطينيين إلا فلسطين”، ومع عودة مقترحات التهجير في ظل الحرب الأخيرة على غزة، رد الفلسطينيون بتمسكهم بأرضهم، رافضين أي ترحيل قسري أو طوعي، وهو موقف دعمته قمة الرياض العربية الإسلامية والمجتمع الدولي.
وفي ظل هذه الثوابت، يبقى الموقف المصري صامدًا، مدعومًا بتأييد شعبي ورسمي، ليؤكد مجددًا أن الحل الوحيد يكمن في الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.