تشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا تطورًا ملحوظًا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه في عام 2014، حيث باتت الشراكة بين البلدين نموذجًا للتعاون التنموي الشامل، مدعومةً بزيارات رفيعة المستوى واتفاقيات استراتيجية تسهم في دفع عجلة التنمية في قطاعات متنوعة.
وفي تقرير حديث صادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تم تسليط الضوء على أبرز محطات التعاون الاقتصادي بين القاهرة وباريس، بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، والتي تعكس عمق العلاقات بين البلدين وحرصهما المشترك على تعزيز مسارات التعاون.
وتأتي هذه الزيارة في سياق الزخم الذي شهدته العلاقات المصرية الأوروبية، خاصة بعد توقيع الإعلان المشترك بين الرئيس السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مارس 2024، لترتقي الشراكة إلى مستوى استراتيجي يشمل ملفات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتنمية المستدامة.
ورغم قدم العلاقات بين القاهرة وباريس، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت طفرة غير مسبوقة، حيث أسهمت اللقاءات المتبادلة بين قيادتي البلدين في تنويع مجالات التعاون لتشمل النقل، الإسكان، التعليم، الصحة، الطاقة المتجددة، والحماية الاجتماعية، من خلال تمويلات تنموية سخية.
تمويلات فرنسية بمليارات اليوروهات لدعم التنمية في مصر
بلغ إجمالي التمويلات التي قدمتها الحكومة الفرنسية لمصر نحو 4 مليارات يورو، منها 3.5 مليار يورو للقطاع العام و500 مليون للقطاع الخاص، بالإضافة إلى 12.6 مليون يورو على شكل منح تنموية، و150 مليون يورو منحًا مدارة من قبل الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).
وتُعد هذه التمويلات محركًا رئيسيًا لتنفيذ مشروعات استراتيجية في البنية التحتية والمرافق العامة، من بينها مشروعات النقل الجماعي المستدام كمترو الأنفاق، ومشروعات الإسكان والصحة والتعليم، إلى جانب دعم التحول الأخضر والطاقة المتجددة.
وتدير حاليًا محفظة التعاون بين البلدين مشروعات بقيمة 1.5 مليار يورو في مجالات مختلفة، أبرزها النقل والتعليم والبيئة وتمكين المرأة.
مشروعات محورية: مترو الأنفاق والطاقة والتحول الأخضر
يبرز مشروع مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى كأحد رموز التعاون المثمر بين مصر وفرنسا، إذ يسهم في تخفيف التكدس المروري وتقديم وسيلة نقل آمنة وصديقة للبيئة. ويمتد التعاون ليشمل مشروع مترو أبو قير، ومركز التحكم الإقليمي في الإسكندرية، إلى جانب تطوير خط سكة حديد طنطا–المنصورة–دمياط.
كما دعمت فرنسا برنامج “نُوَفّي” الوطني للتحول الأخضر، وساهمت في برنامج دعم موازنة قطاع الطاقة، وتطوير صناعة الهيدروجين الأخضر، ومبادرات الحماية الاجتماعية مثل التأمين الصحي الشامل وبرامج تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين في النقل الحضري.
التعليم والتعاون الثقافي: من الجامعة الفرنسية إلى اللغة في المدارس
في قطاع التعليم، مولت فرنسا مشروع إعادة تأسيس الجامعة الفرنسية في مصر، إلى جانب مشروع لدعم تدريس اللغة الفرنسية كلغة أجنبية في المدارس الحكومية، مما يعكس حرص البلدين على تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي.
وخلال عام 2022، أطلقت مصر وفرنسا الاستراتيجية القُطرية للتعاون حتى 2025 تحت شعار “نحو ازدهار مشترك”، وتركز على ثلاث أولويات: تعزيز التكامل الاقتصادي، دعم البنية التحتية الاجتماعية، وتحقيق تنمية محلية عادلة ومستدامة.
تبادل تجاري متنامٍ واستثمارات فرنسية واسعة
تُعد فرنسا أحد أبرز الشركاء التجاريين الأوروبيين لمصر، حيث ارتفعت الصادرات المصرية إلى فرنسا بنسبة 22.4% لتبلغ 1.1 مليار دولار في 2024، فيما بلغت الواردات 1.8 مليار دولار، بزيادة 10.8%. وسجل حجم التبادل التجاري 2.9 مليار دولار، مقارنة بـ2.5 مليار في 2023، بارتفاع 14.7%.
وتستثمر العديد من الشركات الفرنسية في مصر في مجالات الطاقة، النقل، وتجارة التجزئة، مما يعكس الثقة المتبادلة في بيئة الاستثمار المصرية والفرص الواعدة التي توفرها السوق المحلية.