تحمل زيارة ماكرون لمصر أبعادًا استراتيجية متعددة، حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضيفًا على القاهرة، حاملاً معه ملفات التعاون المشترك في وقت بالغ الأهمية إقليميًا ودوليًا، وجاءت الزيارة وسط توترات جيوسياسية تشهدها المنطقة، لتنعكس إيجابيًا على مسارات العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا، سياسيًا واقتصاديًا وسياحيًا، وأكدت من جديد مكانة مصر كقوة إقليمية ورمز للاستقرار.
وفي توقيت دقيق تشهده المنطقة، جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة حاملةً العديد من الرسائل السياسية والدبلوماسية التي تؤكد على المكانة المحورية لمصر في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقد شهدت الزيارة التي استمرت 3 أيام، اهتماماً إعلامياً واسعاً من مختلف وسائل الإعلام الدولية، عكست حجم الترقب الدولي لمخرجات هذا اللقاء، لا سيما في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها المنطقة، من النزاع في غزة، إلى الأزمات المستمرة في سوريا واليمن وليبيا والسودان.
مكاسب سياسية من زيارة ماكرون لمصر
الرئيس الفرنسي أكد خلال زيارته أن مصر تمثل شريكاً استراتيجياً لفرنسا، مشيداً بدور القاهرة في دعم القضية الفلسطينية، ورفضها التام لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم. كما عبّر عن دعم باريس للجهود المصرية في التصدي للتداعيات الاقتصادية والسياسية الناجمة عن الأزمات الإقليمية.
وتوّجت الزيارة بعقد قمة ثلاثية في القاهرة جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيريه الفرنسي إيمانويل ماكرون، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لبحث تطورات الوضع في قطاع غزة، حيث شدّد القادة الثلاثة على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق، إضافة إلى تنفيذ اتفاق 19 يناير 2025 بشأن إطلاق سراح الرهائن وتأمين المدنيين.
جولة تعكس الاستقرار وجذب الاستثمار
في مشهد شعبي لافت، تجوّل الرئيس الفرنسي برفقة الرئيس السيسي في منطقة خان الخليلي التاريخية، وسط ترحيب شعبي كبير عكس صورة الأمن والاستقرار في مصر. كما شملت الزيارة جولة في مترو الأنفاق وزيارة جامعة القاهرة، حيث أبدى ماكرون إعجابه بالمشروعات التنموية واهتمام الدولة بالتعليم والبحث العلمي.
هذه المشاهد حملت رسائل ضمنية للمجتمع الدولي حول قدرة مصر على توفير بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار، وهو ما يعزز ثقة الشركاء الدوليين في الاقتصاد المصري.
رسائل سياسية من القاهرة إلى العالم
الزيارة لم تقتصر على الإطار الثنائي، بل شهدت أيضاً مكالمة هاتفية مشتركة بين قادة مصر وفرنسا والأردن مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ركزت على ضرورة إنهاء العدوان في غزة، واستئناف المساعدات الإنسانية، وإطلاق عملية سياسية شاملة تضمن تنفيذ حل الدولتين.
كما تضمنت المحادثات تأكيد القادة على دعم جهود إعادة إعمار غزة، في إطار المبادرات التي أُطلقت خلال القمة العربية بالقاهرة في مارس الماضي، وقمة منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت لاحقاً.
شراكة استراتيجية ومكاسب اقتصادية واعدة
واحدة من أبرز نتائج الزيارة تمثلت في ترفيع العلاقات المصرية الفرنسية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وهو ما تُرجم على أرض الواقع من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتنموية، أبرزها اتفاقيات في مجالات الطاقة، النقل، البنية التحتية، الصناعات الدوائية، التعليم العالي وتكنولوجيا المعلومات.
الرئيس ماكرون وصل إلى القاهرة برفقة وفد رفيع المستوى من رؤساء كبرى الشركات الفرنسية العاملة في قطاعات حيوية مثل الدفاع والطيران المدني والاتصالات والطاقة، في إشارة واضحة إلى رغبة باريس في ضخ استثمارات جديدة داخل السوق المصري، خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وبحسب البيانات الرسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2024 نحو 2.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 14.7% عن العام السابق، في حين تقدر الاستثمارات الفرنسية في مصر بحوالي 7.2 مليار يورو موزعة على 940 شركة، مع توقعات بتجاوزها حاجز 8 مليارات يورو خلال 2025.
كما وقّعت مصر اتفاقيات تعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية بقيمة 262.3 مليون يورو، تشمل قروضًا ومنحًا لدعم مشروعات في مجالات النقل والطاقة والمياه، ما يعزز فرص التنمية المستدامة ويوفر فرص عمل جديدة.
زيارة ماكرون لمصر ترويج عالمي للسياحة المصرية من قلب القاهرة التاريخية
الجانب السياحي للزيارة لم يكن أقل أهمية، بل مثّل دعاية غير مسبوقة لمصر، خاصة بعد الجولة التاريخية التي قام بها الرئيسان السيسي وماكرون في منطقة الحسين وخان الخليلي والجمالية. الزيارة جاءت عفوية وبسيطة، وسط تفاعل شعبي كبير في شوارع القاهرة، حيث سارا وسط الزحام وبين المواطنين، ما عكس صورة الأمن والاستقرار في الشارع المصري.
هذه الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، وعلى رأسها الصحف الفرنسية، شكّلت رسالة قوية للعالم بأن مصر بلد آمن ومستقر، وقادرة على استقبال السائحين بكل حفاوة، خاصة في ظل استقرار أمني قلّ نظيره في المنطقة المضطربة.
وزيارة ماكرون إلى المتحف المصري الكبير، قبل افتتاحه الرسمي المرتقب في يوليو المقبل، أعطت دفعة قوية للقطاع السياحي، وسط توقعات بزيادة كبيرة في عدد السائحين الفرنسيين خلال الأشهر القادمة.
دعم سياسي لموقف مصر ودورها الإقليمي
سياسيًا، أكدت الزيارة دعم فرنسا لمواقف مصر في قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث شدد ماكرون على أن القاهرة تمثل صوت العقل والحق في الشرق الأوسط، وتقف كخط الدفاع الأول عن الأمن الإقليمي.
الرسائل السياسية التي خرجت من الزيارة كانت واضحة، أهمها تأكيد أن مصر ليست فقط شريكًا اقتصاديًا لفرنسا، بل حليف استراتيجي يُعتمد عليه في صياغة مستقبل أكثر استقرارًا للمنطقة، من خلال دعم الحوار والحلول السلمية، ورفض العنف والتهجير، وتأييد مسار الشرعية الدولية.
زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة لم تكن مجرد زيارة رسمية، بل محطة مهمة أعادت التأكيد على مكانة مصر السياسية والاقتصادية، وقدرتها على استقطاب الاستثمارات الكبرى، وتقديم نفسها كوجهة سياحية عالمية.
كما جاءت لتؤكد أن مصر ليست فقط دولة محورية في المنطقة، بل شريك موثوق على الساحة الدولية، يمتلك ثقلاً سياسياً وقدرة على التأثير في ملفات معقدة. في المقابل، تعكس الزيارة رغبة فرنسية في تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع القاهرة، في ظل التحديات العالمية الراهنة، وتُعد خطوة جديدة نحو ترسيخ شراكة استراتيجية ممتدة بين البلدين.
اقرأ أيضًا:
تنامٍ ملحوظ في العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا.. 2.9 مليار دولار حجم التبادل التجارى