يحتفل قطاع التعليم الفني الأكاديمي في مصر بمرور 117 عامًا على انطلاقه، وذلك منذ تأسيس مدرسة الفنون الجميلة المصرية في 12 مايو 1908 بدرب الجماميز في القاهرة، التي تُعد أول مؤسسة أكاديمية لتعليم الفنون التشكيلية في العالم العربي، وأحد أبرز معالم النهضة الثقافية الحديثة في مصر.
تأسيس برعاية الأمير يوسف كمال
جاءت فكرة تأسيس المدرسة بمبادرة من الأمير يوسف كمال، أحد أفراد الأسرة الخديوية المعروفين برعايتهم للفنون، حيث موّل المشروع بالكامل من أمواله الخاصة، ووقف له مساحة بلغت 127 فدانًا. وأسند إدارة التنظيم للفنان الفرنسي جيوم لابلانيه، ما ساهم في إرساء مناهج تعليمية مستوحاة من النموذج الأوروبي.
نواة الفن المصري الحديث
استقطبت المدرسة منذ نشأتها عددًا من أبرز الأسماء الذين شكّلوا ملامح الفن المصري الحديث، مثل محمود مختار، ويوسف كامل، وراغب عياد، ومحمد حسن. وفي يناير 1911، أُقيم أول معرض لخريجي الدفعة الأولى، وهو ما عُدّ بداية فعلية للوعي الفني التشكيلي في مصر.
التوثيق الأكاديمي لمسيرة المدرسة
وثّقت الباحثة نادية رضوان في رسالتها للدكتوراه بعنوان “الأمة تصويرًا ونحتًا (1908–1938)” مراحل تطور المدرسة، وقد تُرجمت الرسالة عبر المركز القومي للترجمة، وراجعتها وقدّمتها الدكتورة إيمان فرج، لتُشكل مرجعًا علميًا لمسيرة تطور التعليم الفني في مصر.
جذور التعليم الفني تعود لعصر محمد علي
على الرغم من أن مدرسة الفنون الجميلة تُعد البداية الرسمية للتعليم الفني الأكاديمي، فإن جذوره تعود إلى عهد محمد علي، الذي أرسل بعثات فنية إلى أوروبا وأسس مدرسة الفنون والصنائع عام 1839 بهدف إعداد فنيين في المجالات التطبيقية ضمن خطة لبناء دولة حديثة.
من الفنون الزخرفية إلى الفنون التطبيقية
شهد عام 1909 إنشاء قسم للفنون الزخرفية ضمن مدرسة الفنون والصنائع السلطانية، قبل أن ينفصل لاحقًا إلى مدرسة مستقلة تطورت إلى ما يُعرف اليوم بـمدرسة الفنون التطبيقية.
تحولات في المواقع والمسمى
انتقلت المدرسة من مقرها الأصلي في درب الجماميز إلى شبرا، ثم إلى الجيزة، وأخيرًا إلى حي الزمالك، حيث تحوّلت إلى “المدرسة العليا للفنون الجميلة”، قبل أن تُدرج رسميًا ضمن مؤسسات التعليم العالي تحت مسمى كلية الفنون الجميلة.
أقسام متنوعة ومناهج أوروبية
تكونت المدرسة عند تأسيسها من أقسام: الرسم، النحت، العمارة، الخط العربي، والزخرفة، واتبعت مناهج تعليمية أوروبية رفيعة المستوى. وبلغ عدد طلابها في عام 1910 نحو 146 طالبًا، وأُلحقت بالجامعة المصرية في عام 1911.
نشر الثقافة الفنية والمجتمعية
سعى القائمون على المدرسة إلى نشر الوعي الفني عبر إنشاء نادي الفنون الجميلة في نفس عام التأسيس، وإصدار مجلة شهرية عام 1913 لنشر ثقافة الفنون بعيدًا عن التوجهات السياسية أو الدينية، ما ساعد على ترسيخ الفنون كجزء من الهوية الثقافية المصرية.