في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، التأمت القمة العربية الـ34 في العاصمة العراقية بـ قمة بغداد تحت شعار بارز حمله القادة المشاركون: “لا للتهجير”، في موقف يعكس وحدة الموقف العربي إزاء التطورات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية، خاصة ما تشهده غزة من انتهاكات ودمار جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة.
قمة بغداد.. العراق من الخطابة إلى الفعل
العراق، الذي تسلّم رئاسة القمة، لم يكتفِ بالمواقف التقليدية، بل تجاوزها نحو خطوات عملية. ففي كلمة افتتاحية لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، أكد البلدان رفضهما القاطع لأي مخطط لتهجير الفلسطينيين، وأعلنا عن مبادرة نوعية بتأسيس صندوق عربي للتعافي من الحروب، تساهم فيه بغداد بمبلغ 20 مليون دولار، في خطوة تنسجم مع التوجه العربي نحو دعم صمود الشعب الفلسطيني، خاصة في غزة، والاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب من خلال إعادة الإعمار.

موقف عربي موحد في قمة بغداد.. رفض واضح للتطهير العرقي
المواقف الرافضة للتهجير لم تكن عراقية فقط. الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، وصف في كلمته أمام القادة ما يجري في غزة بأنه “حرب إبادة” يقودها اليمين المتطرف في إسرائيل، مؤكداً أن الهدف منها هو السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية وتهجير أهلها، وهو ما اعتبره “تطهيرًا عرقيًا” يتم على مرأى ومسمع من العالم وسط صمت دولي “مخزٍ”.
وأضاف أبو الغيط أن هذه السياسات الإسرائيلية المتهورة لا تهدد فقط الفلسطينيين، بل تهدد استقرار المنطقة بأسرها، من خلال تغذية حلقات الصراع والتوتر.
السيسي: لا سلام بدون دولة فلسطينية
من جانبه، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته على أن أي سلام دائم في الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال ما لم تُقام دولة فلسطينية مستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية.
وفي رسالة مباشرة إلى المجتمع الدولي، طالب السيسي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ببذل ما يلزم من ضغوط لوقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق عملية سياسية جادة تكون الولايات المتحدة راعياً لها، في تكرار لدورها التاريخي في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في السبعينيات.
مواقف داعمة من البحرين وإسبانيا والأمم المتحدة
أما وزير خارجية البحرين، عبد اللطيف بن راشد الزياني، فجدّد في كلمته التأكيد على موقف بلاده الثابت في رفض تهجير الفلسطينيين، مشيراً إلى التزام المنامة بدعم دولة فلسطينية ذات سيادة، ومواصلة تنفيذ المبادرات التي أُقرّت في قمة المنامة الأخيرة.
على الجانب الأوروبي، أبدى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز دعمه الكامل لحل الدولتين، وأعلن عن نية بلاده تقديم مشروع قرار في الأمم المتحدة لإنهاء الحصار الإنساني على غزة، داعياً إلى وقف فوري للعنف ودعم الجهود الدولية لعقد مؤتمر للسلام ترعاه السعودية وفرنسا.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أكد أن “لا شيء يبرر العقاب الجماعي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني”، مشدداً على ضرورة التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في غزة، ودعم حل الدولتين كخيار وحيد لإنهاء الأزمة وتحقيق سلام مستدام.
وحذر غوتيريش من التوسع العسكري الإسرائيلي في غزة، وأكد أن الأمم المتحدة لن تشارك في أي عملية لا تمتثل للقانون الدولي الإنساني. كما أشار إلى أن هجمات الحوثيين على البحر الأحمر تقوّض الاقتصادين الإقليمي والعالمي، داعياً إلى وقفها ودعم العملية السياسية في سوريا.
ختام القمة.. رسائل قوية ومبادرات عملية
قمة بغداد وضعت القضية الفلسطينية مجددًا في صدارة الأولويات، وأعادت توجيه البوصلة العربية نحو رفض التهجير والدعوة لإعادة الإعمار، في تناغم واضح بين الخطاب السياسي والمبادرات الفعلية. وفي ظل التحديات المتصاعدة، جاءت هذه القمة لتؤكد أن العرب، على اختلاف مواقعهم، يجتمعون اليوم حول رسالة واحدة: لا لطمس الهوية.. لا للتهجير.. نعم لفلسطين حرة مستقلة.
إعلان بغداد الصادر عن القمة العربية الـ34
تضمّنت النسخة النهائية لإعلان بغداد، المقرر اعتماده في ختام القمة العادية الـ34، الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني شامل يضم مكونات الشعب السوري، دون إشارة إلى استعداد العراق لاستضافته، ويشير إلى أهمية وجود حكومة مدنية مستقلة في السودان.
أبرز النقاط في الإعلان:
- القضية الفلسطينية:
- التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية والمطالبة بوقف الحرب في غزة فورًا.
- دعم رؤية الرئيس الفلسطيني محمود عباس للوحدة الوطنية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
- تمكين حكومة فلسطين من إدارة غزة كجزء من الوحدة السياسية والجغرافية للأراضي المحتلة عام 1967.
- الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في كل الأراضي الفلسطينية (غزة، الضفة، القدس الشرقية).
- دعم عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى (بقيادة السعودية وفرنسا) في يونيو 2025 لتطبيق حل الدولتين.
- اليمن:
- دعم مجلس القيادة الرئاسي اليمني برئاسة رشاد العليمي.
- تأييد الجهود الأممية والإقليمية لحل سياسي شامل بناءً على المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2216.
- سوريا:
- الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني شامل يضم جميع مكونات الشعب السوري.
- حُذف الإشارة إلى استضافة العراق للمؤتمر في النسخة النهائية.
- السودان:
- التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة مدنية مستقلة ومنتخبة.
- الدعوة إلى استئناف مسار جدة (3) لحل الأزمة السودانية.
- مبادرات عراقية جديدة:
- إنشاء “الصندوق العربي لدعم التعافي وإعادة الإعمار” للأزمات.
- مبادرة “العهد العربي لدعم الشعب السوري” لتعزيز الحل السياسي.
- إطلاق “غرفة التنسيق الأمني العربي المشترك” لمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية.
وشكّل إعلان بغداد خارطة طريق عربية للقضايا الساخنة، مع تركيز كبير على فلسطين، ودعم الحلول السياسية في اليمن وسوريا والسودان، إلى جانب مبادرات عراقية لتعزيز التنسيق الأمني والتنموي بين الدول العربية.