من هو البابا فرنسيس؟.. أُسدِل الستار اليوم على حياة أحد أبرز الشخصيات الروحية في العصر الحديث، حيث أعلنت الفاتيكان رسميًا وفاة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، عن عمر يناهز 88 عامًا، بعد مسيرة حافلة امتدت لأكثر من عقد في سدة البابوية، وقرابة ستين عامًا في خدمة الكنيسة والإنسانية.
بوفاته، يودع العالم رجلًا آمن بأن الكنيسة يجب أن تكون قريبة من الناس، وخاصة الفقراء والمنبوذين، لا أن تنغلق في أبراجها العاجية. كان البابا فرنسيس، منذ انتخابه عام 2013، صوتًا للضمير الإنساني وسط صراعات السياسة والاقتصاد والدين.
من هو البابا فرنسيس؟

وُلد خورخي ماريو بيرغوليو في 17 ديسمبر عام 1936 في بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين، لأسرة متواضعة من المهاجرين الإيطاليين.
درس الكيمياء في بداياته، قبل أن يلتحق بجمعية يسوع (اليسوعيين) في سن 21، وهي واحدة من أكثر الرهبانيات تأثيرًا وانفتاحًا على العالم.
عُرف بتقشفه، وتواضعه، وحياته البسيطة، حتى حين أصبح رئيس أساقفة بوينس آيرس، كان يركب المترو والحافلات العامة، ويعيش في شقة صغيرة بدلاً من مقر فاخر.
وهذه الروح التصالحية والبسيطة ظلّت حاضرة معه حتى بعد أن صار بابا.
بابوية غير تقليدية.. أول بابا من نصف الكرة الجنوبي
وفي 13 مارس 2013، انتخبه المجمع الكنسي بابا للكنيسة الكاثوليكية، ليصبح أول بابا من أمريكا اللاتينية، وأول بابا غير أوروبي منذ أكثر من ألف عام، وأول يسوعي يتولى هذا المنصب، وهو ما حمل دلالات كبرى على رغبة الكنيسة في الانفتاح والتجديد.
واختار اسم “فرنسيس” تيمنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، الداعي للفقر والسلام والرحمة، وهو الاسم الذي شكّل جوهر رسالته طوال سنوات حبريته.
مواقف وإنجازات.. صوت المهمّشين
تميزت فترة حبريته باتخاذه مواقف غير معتادة من باباوات سابقين:
- العدالة الاجتماعية: انتقد بشدة النظام الرأسمالي القائم على الجشع، وأدان الاستغلال الاقتصادي والتمييز الاجتماعي.
- الدفاع عن البيئة: أصدر وثيقة بابوية تاريخية بعنوان “كن مسبّحًا” عام 2015، دعا فيها لحماية الكوكب والعدالة البيئية، محذرًا من الاحتباس الحراري وتداعياته.
- اللاجئون والمهاجرون: كان من أوائل من نددوا بسياسات إغلاق الحدود، ووقف على أبواب مخيمات اللاجئين في أوروبا، وطلب من الكنائس استقبال المهاجرين.
- حقوق الإنسان: أبدى تعاطفًا كبيرًا مع الأقليات، وفتح نقاشًا داخل الكنيسة حول المثليين والطلاق، مؤكدًا أن “الله لا يرفض أحدًا”.
- السلام العالمي: دعا مرارًا إلى إنهاء النزاعات في سوريا وفلسطين وأوكرانيا وأفريقيا، وجسد هذه الدعوات من خلال زياراته ورسائله المباشرة لقادة العالم.
زيارات تاريخية وحوار الأديان
أولى البابا فرنسيس اهتمامًا خاصًا بالحوار بين الأديان، مؤمنًا بأن العالم لا يمكنه التقدم إلا بالتعايش والتفاهم. من أبرز زياراته:
- مصر (2017): حيث شارك في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، والتقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، مؤكدًا وحدة الرسالة في نبذ العنف.
- الإمارات (2019): حيث وقّع وثيقة “الأخوة الإنسانية” مع شيخ الأزهر، في أول زيارة لبابا الفاتيكان إلى شبه الجزيرة العربية.
- العراق (2021): أول بابا يزور العراق، حيث التقى بالمرجع الشيعي آية الله السيستاني، وزار مدينة أور التاريخية مهد النبي إبراهيم.
وفاته وإرثه الروحي
رغم تدهور حالته الصحية في السنوات الأخيرة، أصر البابا فرنسيس على الاستمرار في أداء مهامه حتى الرمق الأخير، رافضًا الاستقالة رغم المعاناة، بعكس سلفه بنديكتوس السادس عشر الذي تخلى عن المنصب عام 2013.
سيبقى البابا فرنسيس في ذاكرة الملايين رمزًا للتواضع والشجاعة والرحمة. رحل جسدًا، لكنه ترك إرثًا ضخمًا سيواصل إلهام الكنيسة والعالم، ويذكر الجميع بأن الزعامة الروحية لا تُقاس بالمظاهر، بل بخدمة الإنسان، أيًّا كان دينه أو لونه أو جنسيته.