في خطوة طموحة تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي وزيادة الإنتاج الزراعي كم خلال مشروع الدلتا الجديدة، حيث تسعى الدولة المصرية إلى تنفيذ استراتيجية شاملة تعتمد على التوسع الرأسي والأفقي في القطاع الزراعي.
يأتي ذلك عبر رفع إنتاجية الفدان الواحد من خلال استخدام التقنيات الحديثة، واستصلاح أراضٍ جديدة لزيادة المساحة المنزرعة، بما يلبي احتياجات السوق المحلي من المحاصيل الأساسية ويقلل من فاتورة الواردات. كما يهدف المشروع إلى توفير الخضروات والفواكه بجودة عالية وأسعار مناسبة، مع تصدير الفائض لتعزيز تدفقات النقد الأجنبي وتحقيق استقرار في سعر العملة.
مشروع الدلتا الجديدة.. أكبر مشروع استصلاح في العالم
يُعد مشروع “الدلتا الجديدة” أحد أضخم المشروعات الزراعية في مصر، حيث يستهدف استصلاح 2.2 مليون فدان، مما يعزز المساحة المنزرعة بنسبة تصل إلى 23% من إجمالي المساحة الزراعية الحالية في البلاد. وتمثل هذه الزيادة ما يعادل ربع المساحة الزراعية الحالية، مما يضع مصر على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية.
ولضمان نجاح المشروع، تم توفير 17.5 مليون متر مكعب من المياه يوميًا، وذلك عبر تنفيذ المشروع القومي لتبطين الترع، الذي ساهم في توفير مليارات الأمتار المكعبة من المياه التي كانت تُهدر سابقًا. كما تم إنشاء محطة الدلتا الجديدة لمعالجة المياه، والتي تُعد الأكبر من نوعها في العالم، حيث حصلت على شهادة موسوعة جينيس للأرقام القياسية بقدرة إنتاجية تصل إلى 7.5 مليون متر مكعب يوميًا.
عوائد اقتصادية وبيئية ضخمة
لا يقتصر مشروع الدلتا الجديدة على زيادة الإنتاج الزراعي فحسب، بل يسهم أيضًا في تحقيق عوائد اقتصادية وبيئية كبيرة. فبالإضافة إلى تعزيز الإنتاج المحلي، يعمل المشروع على تحسين جودة المحاصيل وتقليل الاعتماد على الواردات، مما يسهم في خفض فاتورة الاستيراد. كما يساعد المشروع في تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال زيادة تدفقات النقد الأجنبي من تصدير الفائض الزراعي.
ومن الناحية البيئية، يعتمد المشروع على تقنيات حديثة في الري ومعالجة المياه، مما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد المائية المحدودة في مصر. كما يسهم المشروع في تحسين جودة التربة وزيادة المساحات الخضراء، مما يعزز التنمية المستدامة.
تصريحات مسؤولي الحكومة: رؤية مستقبلية طموحة
في تصريحات خاصة، أكد الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، أن مصر بدأت منذ عام 2013 في التوسع في المشروعات الزراعية الكبرى، ومن بينها مشروع “مستقبل مصر” الذي يعد جزءًا من مشروع الدلتا الجديدة. وأوضح أن الهدف الأساسي هو تحقيق أقصى استفادة من كل قطرة مياه، وخلق مجتمعات جديدة متكاملة تشمل شبكات طرق ومحطات تحلية مياه وتوليد كهرباء.
وأضاف القرش أن المشروع يهدف إلى زراعة ما يقرب من 4 ملايين فدان خلال الفترة المقبلة، مما يعزز قدرة مصر على مواجهة التحديات العالمية، خاصة في ظل الأزمات الأخيرة مثل جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. وأشار إلى أن المشروع يغطي جميع جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بما في ذلك تطوير البنية التحتية وزيادة فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة.
تحلية المياه والتحول الرقمي ركائز أساسية
من جانبه، أكد الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، أن مشروع الدلتا الجديدة يعتمد على معالجة مياه الصرف الزراعي وإعادة استخدامها، خاصة في ظل محدودية الموارد المائية في مصر. وأوضح أن المشروع يشمل إنشاء 3 محطات كبرى لمعالجة المياه، بطاقة إجمالية تصل إلى 4.80 مليون متر مكعب سنويًا، سيتم استخدامها في استصلاح أراضٍ جديدة.
وأضاف سويلم أن الوزارة تعمل على تدريب المهندسين والفنيين على تشغيل وصيانة محطات المعالجة، بما يضمن نقل الخبرات وضمان كفاءة التشغيل. كما أكد على أهمية اختيار المحاصيل المناسبة التي تتناسب مع نوعية المياه المعالجة، بما يحقق أعلى عائد اقتصادي ويقلل من تأثير الملوحة على التربة.
رؤية مستقبلية نحو تنمية مستدامة
يمثل مشروع الدلتا الجديدة نقلة نوعية في مسيرة التنمية الزراعية في مصر، حيث يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة لتحقيق أهدافه الطموحة. ومن خلال تعزيز الإنتاج الزراعي وتحسين البنية التحتية، يسهم المشروع في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وتعزيز الصادرات، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
وبفضل هذه الجهود، تتجه مصر نحو مستقبل أكثر استدامة، حيث تصبح قادرة على مواجهة التحديات العالمية وتعزيز مكانتها كواحدة من الدول الرائدة في مجال الزراعة والتنمية المستدامة.
