مع حلول عيد الفطر المبارك، تتزين الأجواء بالفرح والبهجة، ويترقب الأطفال بفارغ الصبر واحدة من أقدم العادات المرتبطة بالعيد: العيدية، تلك الهدايا المالية التي تُقدَّم إليهم كرمز للاحتفال والسرور، لكن ما هو الأصل التاريخي للعيدية، هذه العادة التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مظاهر العيد؟
الأصل التاريخي للعيدية
تعود أصول العيدية إلى العصر الفاطمي، حيث لم تكن مخصصة للأطفال كما هو الحال اليوم، بل كانت هدية يقدمها الخلفاء لكبار رجال الدولة، والعلماء، وحفظة القرآن الكريم، تعبيرًا عن التقدير والتكريم. ووفقًا للمؤرخ تقي الدين المقريزي، كان الخليفة الفاطمي المعز لدين الله من أوائل من أقرّ هذا التقليد، بينما تشير بعض المصادر إلى أن الحاكم بأمر الله خصص مبالغ رسمية تُوزَّع في عيد الأضحى.
تطور العيدية عبر العصور
في العصر المملوكي، كانت العيدية تُعرف باسم “الجامكية”، وهو مصطلح يشير إلى المال المخصص لشراء الملابس الجديدة، بينما أطلق عليها الفاطميون اسم “التوسعة” و”الرسوم”، في إشارة إلى دورها في إدخال السرور على الناس. ومع انهيار الدولة الفاطمية واضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية، تراجعت العيدية الرسمية التي كانت تقدمها الدولة، وتحولت إلى عادة اجتماعية يمارسها الأفراد داخل الأسر والمجتمعات.
لم تقتصر العيدية قديمًا على النقود فقط، بل كانت تُمنح بطرق غير تقليدية، مثل ملء كعك العيد بالدنانير الذهبية، أو وضع قطع ذهبية على الحلوى بدلًا من المكسرات، مما يضيف عنصر المفاجأة إلى فرحة العيد.
العيدية في العالم العربي.. مسميات مختلفة وعادات متجددة
رغم أن مفهوم العيدية واحد، إلا أن تسمياتها وطرق تقديمها تختلف من بلد إلى آخر. في سوريا، تُعرف باسم “الخرجية”، حيث تُمنح للأطفال أثناء الزيارات العائلية. أما في السعودية، فيطلق عليها “الطلبة”، حيث يجوب الأطفال منازل الجيران لجمع الحلوى والمكسرات. وفي الكويت، تتخذ العيدية شكل احتفالية تُعرف بـ “القرقيعان”، حيث يحصل الأطفال على أكياس مليئة بالمكسرات والزبيب والحلوى الشعبية.
العيدية اليوم.. بهجة لا تغيب عن العيد
مع تطور الزمن، باتت العيدية عنصرًا أساسيًا في احتفالات العيد، حيث أصبحت رمزًا للتواصل بين الأجيال ووسيلة لنشر الفرحة بين الأطفال والكبار على حد سواء. ورغم أن شكل العيدية قد يتغير من مكان إلى آخر، إلا أن جوهرها يبقى ثابتًا: رسم البسمة على الوجوه ونشر السعادة في الأعياد.
